من صفات وأخلاق النقيب (1)
مدخل حول نظام الأسر:
يرتبط منصب النقيب ارتباطاً وثيقاً بنظام الأسر، لذا يلزم الإلمام بإيجاز شديد بتاريخ هذا النظام والهدف منه.
أُقر نظام الأسر عام 1362هـ الموافق 1942م تحت اسم نظام الأسر التعاونية، ثم وضعت اللائحة المنظمة له باسم لائحة النظام التعاوني أو لائحة الأسر التعاونية، وقد تألفت اللجنة العامة لهذا النظام في ربيع الأول سنة 1362هـ – مارس 1943م وكان يرأس اللجنة المركزية لهذا النظام فضيلة الأستاذ الإمام حسن البنا المرشد العام، وحدد الإمام الشهيد أركان هذا النظام بثلاث كلمات: (التعارف والتفاهم والتكافل).
يقول الإمام حسن البنا في رسالة نظام الأسر: «وأركان هذا الرباط ثلاثة فاحفظها واهتم بتحقيقها حتى لا يكون هذا تكليفاً لا روح فيه:
1- التعارف: هو أول هذه الأركان، فتعارفوا وتحابوا بروح الله تعالى، واستشعروا معنى الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينكم، واجتهدوا ألا يعكر صفو علاقتكم شيء وتمثوا الآيات الكريمة دائماً والأحاديث الشريفة، اجعلوها نصب أعينكم وتذاكروا قول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10)، وقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103)، وقول رسول الله ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»، «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد».
ولقد ظلت هذه الأوامر الربانية والتوجيهات المحمدية بعد الصدر الأول كلاماً على ألسنة المسلمين، وخيالاً في نفوسهم، حتى جئتم معشر الإخوان المتعارفين، تحاولون تطبيقها في مجتمعكم، وتريدون تأليف الأمة المتآخية بروح الله وأخوة الإسلام من جديد، فهنيئاً لكم عن كنتم صادقين، وأرجو أن تكونوا كذلك، والله ولي توفيقكم .
2- والتفاهم: وهو الركن الثاني من أركان هذا النظام، فاستقيموا على منهج الحق، وافعلوا ما أمركم الله به، واتركوا ما نهاكم عنه، وحاسبوا أنفسكم حساباً دقيقاً على الطاعة والمعصية، ثم بعد ذلك لينصح كل منكم أخاه متى رأى فيه عيباً، وليقبل الأخ نصح أخيه بسرور وفرح، وليشكر له ذلك، وليحذر الناصح أن يتغير قلبه على أخيه المنصوح بمقدار شعرة، وليحذر أن يشعر بانتقاصه، أو بتفضيل نفسه عليه، ولكنه يتستر عليه شهراً كاملاً، ولا يخبر بما لاحظه أحداً إلا رئيس الأسرة وحده إذا عجز عن الإصلاح، ثم لا يزال بعد ذلك على حبه لأخيه وتقديره إياه ومودته له، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، وليحذر المنصوح من العناد والتصلب وتغير القلب على أخيه الناصح قيد شعرة، فإن مرتبة الحب في الله هي أعلى المراتب، والنصيحة ركن الدين: (الدين النصيحة)، والله يعصمكم من بعض، ويعزكم بطاعته، ويصرف عنا وعنكم كيد الشيطان.
3- والتكافل: هو الركن الثالث، فتكافلوا، وليحمل بعضكم عبء بعض، وذلك صريح الإيمان ولب الأخوة، فليتعهد بعضكم بعضاً بالسؤال والبر، وليبادر إلى مساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وتصوراً قول رسول الله: «لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهراً»، «من أدخل السرور على أهل بيت من المسلمين لم ير الله له جزاء دون الجنة»، والله يؤلف بين قلوبكم بروحه إنه نعم المولى ونعم النصير».(1)
ونوصي بمراجعة كلمات الإمام الشهيد الواردة في رسالة نظام الأسر بكل دقة.
وقد ذكر الأستاذ محمود عبد الحليم – رحمه الله – في كتابه: (أحداث صنعت التاريخ) أن من أهم وظائف الأسرة ما يلى:
1ـ مزاولة أنشطة الدعوة من مزاولة للفكرة ونشرها.
2ـ الممارسة العملية للتربية الروحية والبدنية والعقلية.
3ـ متابعة تطورات الأحداث ودراسة كل تطور وإصدار القرار المناسب له.
4ـ تلقي التعليمات من القيادة وتنفيذها.
5ـ التعرف الجيد على نبض الأخوان (حسب ظروف الدعوة في وقتها).
فإذا كان الشغل الشاغل لأجهزة التربية والتكوين لهذه الجماعة هو إيجاد المسلم الصحيح الذي هو أقرب ما يكون إلى صحابة النبي رسول الله ﷺ فى عقيدته وعبادته وأخلاقه وسلوكه؛ فإن هذا الهدف العظيم يُنبئ عن مدى الجهد الذي يجب أن يُبذل لإعداد النقيب ثم الجهد الموكول إلى النقيب لتربية غيره.
وقد أوجز الإمام حسن البنا حين وصف مكانة الأسرة ومنزلة نقيبها فى بناء دعوتنا، حين قال قال رحمه الله: «الأسرة هي قاعدة الأساس فى بناء دعوتنا، ونقيبها هو حجر الزاوية فى هذا البناء».
إنشـــاء مدرسة النقباء
فى عام 1372هـ الموافق 1952م قام قسم الأسر (قسم التربية حالياً) بإنشاء ما يسمي بمدرسة النقباء، وصدر بصددها البيان التالي، في نشرة كانت تصدر تحت اسم (إلى الإخوان)، وهذا نص البيان:
لما كان الاهتمام بتربية الإخوان تربية إسلامية أمراً ضرورياً ومسألة حيوية، اقتضى ذلك إنشاء قسم الأسر من أجل السعي إلى تحقيقها، وليست التربية والتكوين مما يصلح له النشرات والرسائل وحدهما أو البرامج المكتوبة والمفصلة فقط، بل لابد إلى جانب ذلك من وجود القائمين على التربية والتكوين الذين يباشرون هذه المهمة بصلاتهم الشخصية بإخوانهم، وتوجيههم العملي والحياة معهم حياة الألفة والتعاون والتوجيه والقدوة، هذا ما يفترض وجوده في نقباء الأسر التي تعتبر وحدات التربية في دعوة الإخوان.
وضماناً لوجود هذا النوع من النقباء وحسن قيامهم على مهمتهم كان لابد من وجود جهاز دائم لإعدادهم يكفي لاستمرار إمداد الأسر المتزايدة – بحكم إقبال الناس على دعوة الإخوان – لمن يوجههم ويأخذ بأيديهم إلى الحياة الإسلامية الصحيحة.
ثم إن قضية الفهم الصحيح الموحد للإسلام في صفوف الإخوان تقتضي العناية بتكوين النقباء – وهم عصب التوجيه في الدعوة – تكويناً عقلياً مستمداً من كتاب الله وسنه رسول الله ﷺ، وتكون وحدة الفهم مستمدة من نبع الإسلام الصافي الذي لا تضل معه الأفهام، وهذا ما دفع قسم الأسر إلى إنشاء مدرسة النقباء.
فغرض المدرسة إذاً هو إعداد دعامات صالحة للقيام على الجانب التربوي في دعوة الإخوان، وذلك من خلال ثلاثة طرق:
أ ـ دراسة الأصول الإسلامية حتى تتكون عند الأخ الطالب بالمدرسة عقلية إسلامية في فهمها للحياة والمشاكل والأمور وتنمية المقدرة على التفكير الإسلامي.
ب ـ تكييف حياة الأخ عملياً بالإسلام حتى يصدر في عقيدته وعبادته وأقواله وتصرفاته وأقواله وأفعاله عن تعاليم الإسلام وأحكامه.
ج ـ التهيؤ لخدمة الجماعة في كل فروع نشاطها على أساس من صلاحية القيام على التربية والتكوين.
زاد السائرين 