الثواب والعقاب في تربية الأولاد

الثواب والعقاب في تربية الأولاد بقلم: الدكتور محمد حامد عليوة

القائمون على أمر التربية والتعليم سواء كانوا آباء أو معلمين أو مربين، يتحملون أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة في تربية أولادهم ومريديهم، وحتي يؤدي الجميع حق هذه الأمانة لا بد أن يتعلموا كيف يحسنون تربية أولادهم، ويتعرفون على فنون التوجيه والإرشاد والرعاية التربوية.

فقد تعددت أساليب وطرق التربية، ومن بينها (أسلوب التربية بالثواب والعقاب)، أو ما يُعرف بين علماء التربية والسلوك في الإسلام بـ (أسلوب الترغيب والترهيب)، وأسلوب الثواب والعقاب من المبادئ التربوية الأساسية التي وضع لها الإسلام اعتبارًا كبيرًا، ولولا هذا المبدأ لتساوى المحسن والمسيء قال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا المُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ) غافر: 58، وإثابة المحسن علي إحسانه وعقاب المسيء علي إساءته تتجلي في قوله تعالي، (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) الرحمن: 60، وقوله سبحانه وتعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) الشوري: 40

وقد أورد علماء المسلمين مبدأ الثواب والعقاب تحت عنوان: (باب الترغيب والترهيب)، والترغيب والترهيب من أساليب التربية التي تعتمد على فطرة الإنسان ورغبته في الثواب والنعيم، ورهبته من العقاب والشقاء وسوء العاقبة.

والترغيب والترهيب أسلوب قرآني في التربية، ففي الترغيب وعدٌ بالإثابة وتحبيب في الطاعة، وفي الترهيب زجرٌ عن الزلل والمعصية وتخويف من الخطايا والآثام. وقد استفاد علماء التربية والسلوك في الإسلام من هذا الأسلوب القرآني، وعليه وضعت أسس الثواب والتشجيع بطريقة معتدلة متوازنة، كما وضعت أسس العقاب ومراحله وشروطه.

ويظهر الاهتمام بمبدأ الثواب والعقاب في قول أمير المؤمنين هارون الرشيد لمؤدب ولده الأمين: «ولا تُمْعِن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوِّمه ما استطعت إلى ذلك سبيلًا بالقرب والمُلاينة، فإن أباهُما فبالشدة والغلظة»، لذلك يجب على المربين من آباء وأمهات ومعلمين اختيار المبدأ الملائم في الثواب والعقاب، حتى لا يحدث نفورًا أو تهاونًا من الأولاد، وحتى يسهل تكوينهم وتربيتهم التربية الصحيحة وفق مبادئ الاسلام العظيم.

الثواب والعقاب من أساليب التربية:
يعتبر علماء التربية حديثًا أن الثواب والعقاب من أبرز أشكال التربية والضبط الاجتماعي وتوجيه السلوك، فالثواب يساعد في تثبيت السلوك السويّ وتدعيمه، وتحسين الأداء وتقويمه، فحينما نكافئ أطفالنا على سلوكياتهم الحسنة ونقابلها بالاستحسان والقبول خاصة في سنوات العمر المبكرة، فإننا بذلك نبث الثقة في نفوسهم ونشجعهم على المزيد من التعلم الجيد والانجاز والالتزام بالفضائل، فقد كان النبي ﷺ يستخدم المكافأة والثواب في إثارة نشاط الأطفال للقيام برياضة السباق، ولكي يدعم هذا النشاط كان النبي ﷺ يقول لهم: «من سبق فله كذا»، فكانوا يستبقون إليه ويقعون على صدره، فيلتزمهم ويقبلهم.

أما استخدام أسلوب العقاب، فأوصى المربون بعدم اللجوء إليه وحده إلا إذا فشلت أساليب الثواب، فالشكر والثناء والاستحسان وتقديم الهدايا البسيطة وغيرها يدفع الولد إلى المزيد من النجاح، أما العقاب وحده فإنه يدفع إلى الخمول وضعف الأداء وتثبيط الهمة.

إن نتائج الدراسات الإنسانية والسلوكية الحديثة توصي بضرورة الاهتمام أولا بقضية الثواب والإستحسان، والتركيز على الثواب أولًا يرجع لعدة أسباب منها: تلافي الأثر الانفعالي السيء الذي يصاحب العقاب، وأن فى الإثابة والاستحسان توجيه بناء لطبيعة السلوك المرغوب فيه، شريطة أن يكون الثواب علي فعل حقيقي يستحق الإثابة، أو نتيجة ترك فعل غير مرغوب، لكن الإثابة علي غير سبب حقيقي فإنها تفقد الثواب قيمته وأثره التربوي.

ويجب مراعاة ما بين الأطفال من فروق فردية، فمنهم من ترهبه الإشارة، ومنهم من لا يردعه إلا الجهر الصريح ولذلك يقول رسول الله ﷺ: «علقوا السوط على الجدار وذكروهم بالله»، تأكيدًا علي التلويح بالعقوبة في حال تكرار الخطأ، وإن ترتب علي التلويح بها التأدب وعدم الوقوع في الخطأ فقد تحقق المقصوص وبالتالي لا يكون هناك داعي للعقوبة لأنها ليست هدفا في ذاتها.

خطوات العقوبة التربوية:
1- تجاهل خطأ الطفل في البداية: يتم في هذه المرحلة تجاهل خطأ الولد مع حسن الإشارة والتلميح دون المواجهة والتصريح، وذلك حتى يعطى الفرصة لمراجعة سلوكه ويصحح خطأه، وحتى لا نلفت نظره بشدة إلى الخطأ، فربما استمر عليه عنادًا وإصرارًا.

2- عتاب الطفل سرًا: وهذه مرحلة تالية؛ فبعد السقطة الأولى التي نكتفي فيها بالإشارة والتلميح تأتي مرحلة التوبيخ والتصريح سرًا، على ألا نكثر من ذلك حتى لا تسقط هيبة المربي في نفس الولد. ومن توجيهات علماء التربية في هذا الباب «لا تكثروا القول عليهم بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليهم سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام في قلبهم».

3- عتاب الولد ولومه جهرًا: فإذا استمر على خطأه رغم تحذيره ومعاتبته سرًا فينبغي معاتبته أمام إخوانه أو رفاقه، ولا ينبغي أن يشتمل لومه وتقريعه على شتم أو سب أو تحقير لذاته. والهدف من معاتبته على ملأ هو استغلال خوف الولد على مكانته بين أقرانه في الرجوع عن الخطأ وتعديل السلوك. وذلك أيضًا ليكون عظة وتحذيرًا للآخرين (فالعاقل من اتعظ بغيره).

قسى ليزدجروا ومن يك حالمًا … فليقسوا أحيانًا على من يرحم

مع التنبيه على أمر مهم فى العتاب أمام الآخرين، ألا ينتقد المربي الشخص المخطئ ولكن ينتقد السلوك الخطأ، فمثلًا لا نقول للولد حين يُهمل في واجباته أو أعماله: (أنت مهمل) ولكن نقول له: (هذا السلوك الذي بدر منك يدل على الإهمال). وبهذا نكون قد وجهنا النقد إلى السلوك الخطأ وليس إلى الشخص المخطئ.
كما ينبغي عدم تكرار الجهر بالعتاب للطفل وذلك حتى لا تفقد العقوبة قيمتها، والواقع أن الطفل إذا تكرر لومه وتوبيخه فإنه يمر بثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة التألم نتيجة الشعور بالذنب الناتج عن العتاب.
الثانية: مرحلة التضايق نتيجة تكرار العتاب والتوبيخ مع الكراهية والضجر ممن يوبخه.
الثالثة: مرحلة اللامبالاة وعدم الاكتراث بالتوبيخ، مع عدم الاهتمام والإصغاء للمعاتب.

4- الضرب: ويأتي في نهاية المطاف بالنسبة لأساليب العقوبة المختلفة، وقد أقره الشرع بضوابطه وحدد له الفقهاء وعلماء السلوك في الإسلام حدوداً لا يتجاوزها المربي، وأحاطوها بشروط بالغة حتى لا تخرج العقوبة عن مغزاها التربوي ومن هذه الشروط:
أ- أن يكون الضرب على ذنب حقيقي، فلا يصح أن يضرب الولد على شبهة أو ظن.
ب- ألا يكون الضرب شديدًا مبرحًا فيخرج من دائرة العقوبة الموجهة إلى الانتقام والتشفي.
ت- ألا يزيد الضرب على ثلاث ضربات،
ث- ألا يكون الضرب على الوجه أو على الأماكن ذات الحساسية الشديدة في الجسم (مكان المقتل) لما ورد في صحيح مسلم أن الرسول ﷺ قال: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه».
ج- أن يكون الضرب مفرقاً لا مجموعاً في محل واحد.
ح- أن يكون ثابتاً في المبدأ ومساواة بين الأولاد وعدلاً بينهم، لأن العقوبة الظالمة لا تجلب إلا الضرر.

دستور التعامل مع الأولاد:
لقد أثبتت التجارب والممارسات التربوية أن المدخلات الإيجابية لعملية التربية تؤدي إلى مخرجات تربوية إيجابية لدى الأولاد والعكس صحيح، لذلك يمكن تحديد دستور للتعامل مع الأولاد (بنين وبنات) بنوده هي:
* إذا كانت تربية الولد من خلال انتقاده فسوف يتربى على أن يذم ويلعن.
* إذا كانت تربية الولد من خلال العدوان عليه فانه يتربى على أن يشاغب ويعاند.
* إذا كانت تربية الولد من خلال الاستهزاء به فإنه يتربى على أن يكون خجولا.
* إذا كانت تربية الولد من خلال صب اللوم عليه فسوف يتربى على الشعور بالذنب.
* إذا كانت تربية الولد من خلال التسامح فانه يتربى أن يكون صبوراً.
* إذا كانت تربية الولد من خلال التشجيع فسوف يتربى على الثقة بالنفس.
* إذا كانت تربية الولد من خلال شعوره بالأمن والطمأنينة فسوف يتربى أن يكون صاحب عقيدة.

من هنا يتضحً لنا أن الثواب والعقاب أسلوب يقوم على مقابلة الخير والشر في نفس الإنسان في توازن واعتدال بلا إفراط أو تفريط.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا هداة مهديين، لا ضالين ولا مضلين، إنه سميع مجيب الدعاء. والحمد لله رب العالمين.

About zadussaerin

صفحة تربوية: تمثل نافذة على فقه الدعوة والتربية، تسهم في إبراز معالم منهج الدعوة الوسطي، ونشر الفكر التربوي الشامل المنطلق من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، و إبراز جهود علماء الأمة ومفكريها في ميدان الدعوة والتربية الاسلامية.
هذا المنشور نشر في البيت المسلم. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق